السوشيال ميديا تتسبب في استنساخ وتكرار جرائم القتل علناً وجعل المجرمين أبطالاً

السوشيال ميديا تتسبب في استنساخ وتكرار جرائم القتل علناً وجعل المجرمين أبطالاً

 

على عكس الصورة التي يرسمها رواد التواصل الاجتماعي عن أنفسهم من الوعي والانتصار للعدالة وإعلاء قيم الحرية، إلا أن ثمة مواقف فاصلة تكشف خبايا النفس وما تحويه شخصياتهم من صفات تخالف المنطق بل وترسخ للجريمة وتروج لها.

منذ شهر تقريبًا استيقظ المصريون على جريمة اهتزت لها أرواح الأسوياء وتمزقت لها قلوب العقلاء، وهي ذبح الطالبة نيرة أشرف على يد زميلها محمد عادل، المفاجأة لم تكن فقط في جرأة القتل نهارًا ووسط الناس، وإنما كانت في حملات شنها البعض لدعم القاتل، فيما عرض آخرون دفع الدية وتوكيل المحامي الشهير فريد الديب للترافع ونيل براءة لقاتل قتل مع سبق الإصرار والترصد.

اللافت أن محمد عادل أصبح نموذجًا دوليًا يُحتذى في القتل، فبعد قتله نيرة أشرف بيومين، استنسخ شاب أردني جريمته وقام بقتل زميلة له في الحرم الجامعي الأردني رميًا بالرصاص.

في استنساخ غريب تكررت الحادثة وللأسباب نفسها وقتلت الطالبة سلمى على يد زميلها أول أمس وتكررت أيضًا حملات الدعم، ما يثير الدهشة.

خبراء علم النفس والاجتماع الذين استطلعت آراؤهم «جسور بوست»، أرجعوا السبب في استنساخ الجريمة إلى ما وجده القاتل الأول محمد عادل من دعم وإظهاره في ثوب البطولة والضحية، ولكن هل سيقف الأمر عند هذا الحد، هل ستتكرر المأساة، وما أسبابها ودوافعها.

الأمر ليس قاصرًا على العرب فحسب وإنما يتخطى حدود الدول، حيث أوردت تقارير صحفية تعرض النساء الأوروبيات لعنف كبير، ومن النساء ضحايا العنف شهيناز التي أحرقها زوجها حيّة في فرنسا، وخمس نساء قتلن خلال ثلاثة أسابيع في الربيع في السويد وأخريات قتلن في إسبانيا.

 وتشير الأرقام بشكل لا لبس فيه إلى هذا التوجه، ومن هذه البلدان إسبانيا حيث تقتل امرأة كل ثلاثة أيام بأيدي زوجها أو زوجها السابق.

وفي بلجيكا، وقعت 12 جريمة قتل امرأة بحلول نهاية إبريل 2021، بالمقارنة مع 24 لمجمل العام 2020. 

أما في فرنسا، فقتلت 56 امرأة إلى اليوم بحسب جمعية "قتل النساء بأيدي شركائهنّ أو شركائهنّ السابقين" مقابل 46 في الفترة ذاتها من عام 2020. 

وفي تصريحات إعلامية، أوضحت فيكتوريا روزيل رئيسة فريق الحكومة الإسبانية ضد العنف الذكوري قائلة "حين تستعيد النساء حريّتهنّ، يشعر المعتدون أنهم يفقدون السيطرة ويكون ردّ فعلهم أشدّ عنفا، وهذا ما تثبته موجة جرائم قتل النساء في الأشهر الماضية، وحين فتحنا باب القيود، فتحنا الباب أيضا لوباء آخر، هو الوباء الذكوري الذي كان يختبئ خلفه". 

كارثية التضامن مع القاتل 

قال خبير علم النفس الدكتور جمال فرويز: "إن غياب الثقافة أدى إلى استنساخ الجريمة، ليس هناك إبداع وإنما حالة من التقليد، ساهم في ذلك نشر فيديو جثمان الضحية نيرة أشرف منذ أيام ما ساهم في فتح القضية مرة أخرى وإبراز العنف، أو استعادة ذكريات سيئة، فحدث أن القاتل الجديد لديه ذات المشكلة فاستنسخها".

وأضاف الخبير النفسي، حملات التضامن التي يشنها البعض ونشر إشاعات من عينة براءة القاتل وأن القانون سيكون في صالحه، لقد تم خداعه، وما إلى ذلك، أعطى إحساساً للقاتل بأنه سيقتل وسينال البراءة والدعم، ما حدث يسمى في علم النفس بالخلفية الذهنية وثبوت ما حدث بها ومن ثم تكراره.

ودعا فرويز "الإعلام إلى عدم التركيز على الحوادث وخاصة على ما يردده البعض من دفع الدية أو خروجه براءة، البعض يشتهي الشهرة والوجود على السوشيال ميديا، مثل هذه الجرائم يصاب القاتل بحب التملك".

تحذير الخبراء

حذر أستاذ علم الاجتماع، طه أبوحسين المجتمع المصري من تكرار تلك المشكلة قائلًا:" إن المجتمع أصيب بأمراض ستتطور حتى تصل إلى ما لا يحمد عقباه وهذا ما نُحذر منه على صفحات الجرائد والإعلام ومن خلال أبحاثنا، مثل هذه الحالات هي انتحار، والإنسان المنتحر يخيل له خيالات تثبت في ذاكرته وأعماقه، أنه سيكون مبكياً عليه وعلى كل الألسنة وجزءاً من أحاديث الناس، ثم سيؤخذ براءة أسوة بقاتل نيرة الذي دافع عنه مشاهير المحاماة، وبالتالي يتشبث بأمور ليست بحقائق.

 وأوضح أن حالات القتل المتكررة مؤخرًا في المعيار البحثي والاستحصائي لا تُعد ظاهرة، ولكنها لافتة للنظر في تكرارها وعنفها، وكرامة الإنسان تحتم عليه قبول الرفض، فمن باب الشهامة والرجولة الابتعاد في أدب، وما حدث له دلالة من أن هؤلاء ليس لديهم شيء من الرجولة، وبسبب تراخٍ وجده قاتل سلمى وحملات تدافع عن قاتل ضد القانون، وهذا أمر آخر لافت للنظر، فلا يصح لأحد الدفاع عن قاتل ثبتت ضده الجريمة مع سبق الإصرار والترصد.

وأكد أستاذ علم الاجتماع أن الأمر يحتاج إلى النظر بتمعن وهدوء، وإن دل على شيء فإنما يدل على غياب الوعي المجتمعي خاصة بين طوائف الشباب، الذين أخرجوا عن عمد قضايا الثقافة والجدية والمهنية، وتحول البعض بظنه امتلاكه لتليفون يصور من خلاله أغنية أو فيديو أنه متميز ومعبود الجماهير، هذا يدعم العنف، من العار أننا نجد تعاطفًا مع قتلة".

وأضاف: "لا بد في العلاقات الاجتماعية أن نأخذ بضوابط الحيطة والحذر الواردة في الشرع الإسلامي، خاصة الفتيات الصغيرات اللاتي ليست لديهن الخبرة والقوة لكبح جماح الغادر القاتل الذي أجرم في حقها وقتلها بلا مبرر أو دافع أو مانع يمنعه من ارتكاب هذه الجريمة سوى أنه يريد أن تلوكه الألسنة ويصبح نجمًا مجتمعيًا".

واختتم الدكتور أبوحسين قائلا:" تلك الجرائم لا يكترث فيها القاتل للعقاب ولا بد من معالجة هذه الأمور علاجًا جماعيًا، بصورة عاجلة، لا بد من تحليل الأمر وعلاجه اجتماعيًا وجماعيًا وفق الضوابط الأخلاقية والعلمية، وخلق البشر لنفسهم أهدافًا جيدة، فهذا الطالب لو كان مهتمًا بهدف وله حلم لم يكن ليفعل ذلك ولا أنهى حياتها بتلك الطريقة، لو كان متحققًا لرأى في نفسه شخصًا ترغبه أخريات، لكنه أغلق بابه عند هذه الفتاة الضحية".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية